الحمدلله رب العالمين وسلام على المرسلين وبعد:
فإنه لما انتشر بين العامة ، وفي بطون بعض الكتب الغير المعتمدة ، والمدسوس فيها كلام ليس من الدين ، من اعتقده زلّ وهوى ، بعض القصص والإعتقادات الخاطئة في بعض الأنبياء والرسل ،،وعليه ومن باب إنكار المنكر ، فإننا نبين في هذا الموضوع بعض هذه المقولات ، والرد عليها ، مع الأدلة ان شاء الله.
ولكن قبل ذلك لا بد من ذكر قاعدة مهمة الا وهي
كل الانبياء موصوفون
بالصِدق فيستحيلُ عليهمُ الكذبُ لأنَّ ذلك نقصٌ ينافي منصب النبوّة,
الأمانة فيستحيل عليهم الخيانةُ فلا يكذبونَ على الناسِ إن طلبوا منهم النصيحة و لا يأكلون أموال الناس بالباطل.
الفطانةُ فكل الأنبياء أذكياء يستحيل عليهم الغباوةُ أي أن يكونوا ضعفاء الإفهام, لأن الغباوةَ تنافي منصِبَهم لأنهم لو كانوا أغبياء لنفر منهم الناس لغباوتهم و اللّه حكيم لا يجعل النبوة و الرسالة في الأغبياء, فإنَّهم أُرسلوا ليبلغوا الناس مصالح أخرتهم و دنياهم, و البلادة تنافي هذا المطلوب منهم.
و يستحيل على الأنبياء:
الرذالة و السفاهة و البلادة فليس في الأنبياء من هو رذيلٌ يختلس النظر الى النساء الأجنبيات بشهوة مثلاً
و ليس فيهم من يسرق و لو حبة عنب
و ليس في الأنبياء من هو سفيه يقول ألفاظًا شنيعة تستقبحُها النفس
و ليس في الأنبياء من هو بليدُ الذهن عاجز عن إقامة الحجة على من يعارضه بالبيانِ
ولا ضعيف الفهم لا يفهم الكلام من المرة الأولى إلا بعد ان يكرَّرَ عليه عدة مرات.
و يستحيل على الأنبياء سبقُ اللسان في الشرعيات و العاديَّات
لأنه لو جاز عليهم لارتفعت الثقة في صحة ما يقولونه, و لقال قائل لما يبلغه كلام عن النبي ما يدرينا أن يكون قاله على وجه سبق اللسان
لذلك لا يصدر من نبي كلام غير الذي يريد قوله و لا يصدر منه كلامٌ لم يرد قوله بالمرة كما يحصل لمن يتكلم و هو نائم.
وكذلك يستحيل عليهم الأمراض المنفرة كخروج الدود من الجسم.
وكذلك يستحيل على الأنبياء الجبن
وكذلك معصومون أي محفوظون من الكفر قبل أن يُوحى إليهم بالنبوة و بعدَ ذلك أيضًا
يزعم بعض الجهال أن سيدنا إبراهيم عليه السلام كان مشركاً وكان يعبد الشمس والقمر والنجوم قبل أن يهتدي للإسلام
وهذا الكلام منافي لما يجب اعتقاده في الأنبياء .
فقد ذكرنا: الأنبياء معصومون أي محفوظون من الكفر قبل أن يُوحى إليهم بالنبوة و بعدَ ذلك أيضًا, ...
فلقد قال الله تعالى : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ ) سورة الأنبياء 51.
ولقد قال القرطبي في تفسير الآية :
قوله تعالى: "ولقد آتينا إبراهيم رشده" قال الفراء: أي أعطيناه هداه. "من قبل" أي من قبل النبوة؛ أي وفقناه للنظر والاستدلال، لما جن عليه الليل فرأى النجم والشمس والقمر.
وقيل: "من قبل" أي من قبل موسى وهارون. والرشد على هذا النبوة.
وعلى الأول أكثر أهل التفسير؛ كما قال ليحيى: "وآتيناه الحكم صبيا" [مريم: 12 ].
أما قول إبراهيم : (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ . فَلَمَّآ رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ. فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ.) سورة الأنعام 76-77-78،
فهو من باب الإستفهام الإنكاري ، أي معنى قوله : أهذا ربي كما تزعمون. وهو من باب إقامة الحجة عليهم.
وقد أخبر الله تعالى عن إبراهيم أنه قال: "واجنبني وبني أن نعبد الأصنام" [إبراهيم: 35]
وقال جل وعز: "إذ جاء ربه بقلب سليم" [الصافات: 84] أي لم يشرك به قط.
والجواب أنه قال "هذا ربي" على قولكم؛ لأنهم كانوا يعبدون الأصنام والشمس والقمر؛
ونظير هذا قوله تعالى: "أين شركائي" [النحل: 27] وهو جل وعلا واحد لا شريك له.
والمعنى: اين شركائي على قولكم.
فقال : "أتحاجوني في الله وقد هدان" [الأنعام: 80].
وقيل: هو على معنى الاستفهام والتوبيخ، منكرا لفعلهم.
والمعنى: أهذا ربي، أو مثل هذا يكون ربا؟ فحذف الهمزة.
وفي التنزيل "أفإن مت فهم الخالدون" [الأنبياء: 34] أي أفهم الخالدون. وقيل: المعنى هذا ربي على زعمكم؛ كما قال تعالى: "أين شركائي الذين كنتم تزعمون" [القصص: 74].
وقال: "ذق إنك أنت العزيز الكريم" [الدخان: 49] أي عند نفسك. اهـ
فثبت براءة سيدنا إبراهيم من الشرك قبل النبوة وبعدها