ما هو علم الفقه ؟
عَرَّف الفقهاءُ علمَ الفقه بأنه : العلم بالأحكام الشرعية عن أدلتها التفصيلة ، و أرادوا بهذا التعريف أن علم الفقه هو العلم المتكفل بالبحث عن الأحكام الشرعية التي تتعلق بأعمال المكلَّفين .
ميزات الفقه الإمامي :
قال العلامة المحقق الشيخ السبحاني : " من أهمّ ما يمتاز به الفقه الإمامي الشيعي هو استناده بعد الكتاب العزيز إلى السنة المرويّة من لدن حياة النبي ( صلى الله عليه وآله ) بواسطة عترته الطاهرة و أتباعهم الصادقين الضابطين بلا انقطاع ، في الوقت الذي فَقَدَ الآخرون مثل هذا النبع الصافي مدة تزيد على مائة سنة ، و لهذا اضطروا إلى استعمال القياس و الاستحسان و الاستصلاح و قاعدة المصالح المرسلة إلى غير ذلك من الاستنباطات الظنّية لأجل قلّة النصوص و كثرة الاحتياج إلى الفروع الفقهية الجديدة .
كما أن من أهمّ ما يمتاز به هو سعة منابعه الحديثية بفضل عطاء العترة الذي دام 250 سنة بعد وفاة الرسول ، فيما كان يفقد الآخرون مثل هذا المنبع الواسع ، الزاخر المستمر .
كما أنّ من أهمّ ما يمتاز به ، هو نقاوة المصدر الذي كان يشكل الركيزة الأساسية للفقه الإمامي بعد القرآن الكريم بفضل ما تتمتع به العترة الطاهرة من العصمة التي جعلها ثقلاً قريناً للقرآن كما عرفت .
و من هذه الشجرة الطيبة ، الراسخة الجذور ، المتصلة بالنبوة ، نتجت هذه الثمرة و هي " الفقه الإمامي " .
و امتاز أيضاً بالسعة و الشمولية ، و العمق و الدقة و الانسجام الكامل مع الروح الإسلامية ، و النقاوة ، و البرهنة الساطعة ، و القدرة على مسايرة مختلف العصور و مستجدّاتها في الإطار الإسلامي دون تخطّي الحدود المرسومة لها .
مصادر الفقه الإمامي :
و أمّا عن الأُسس التي يعتمد عليها أو بالأحرى المصادر التي يستمد منها هذا الفقه مادته ، فهي قبل كلّ شيء ، القرآن الكريم ، الذي استمد منه منذ الأيام الأُولى من تاريخه .
و أمّا مصدره الثاني فهو الحديث النبوي و أحاديث عترته الطاهرة التي مرّ عليك بيان كيفية حرص الشيعة على تدوينها و تسجيلها بدقة و أمانة ، منذ العهد النبوي إلى يومنا هذا.
ثمّ إنّ الفقه الإمامي الشيعي الإسلامي كما يستمد مادته من ذينك المصدرين ، كذلك يستمد من العقل في إطار خاص مثل باب الملازمات العقلية ، كالملازمة بين وجوب الشيء و وجوب مقدمته ، و حرمة الشيء و حرمة ضدّه ، و حرمة الشيء و فساده ، و توقف تنجز التكليف على البيان و قبح العقاب بدونه ، و استلزام الاشتغال اليقيني البراءة القطعية إلى غير ذلك ممّا يبحث عنه في الملازمات العقلية .
كما انّه يستمد مادته أيضاً من الإجماع الكاشف عن وجود النص الوارد في المسألة و إن لم يصل إلى يد الباحث في العصور اللاحقة .
هذه هي أهمّ الأُسس التي يقوم عليها صرح الفقه الإمامي الشيعي الإسلامي [1] .
إذن فمصادر الفقه الإمامي هي :
1. القران الكريم : الذي لا يعدل عنه إلى غيره أبداً .
2. السنة النبوية المأثورة عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) عن طريق أهل بيته الطاهرين بل سائر الثقاة ، أما السِّر في إلتزام الشيعة بما يرويه أهل البيت ( عليهم السلام ) فيكمن في أن ما يرونه إنما يصل إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) بسند موثوق غير قابل للنقاش .
3. الإجماع : و المراد منه إجماع المسلمين على حكم شرعي ، أو إجماع الشيعة الامامية ، فيكون هذا الإجماع كاشفاً عن وجود نصٍ واصلٍ إلى يد المجمعين و إن لم يكن قد وصل إلينا ، ثم إن الإجماع ليس حجة بنفسه بل إنما يكون حجة لكشفه عن وجود دليل شرعي لدى المجمعين .
4. العقل : و المراد منه الإدراكات القطعية العقلية التي لا يتردد فيها و لا يشك في صحتها ، كيف و العقل هو الحجة الباطنية التي يحتجّ بها المولى سبحانه على العباد ، ثم بحكم العقل الذي له صلاحية الحكم و القضاء يُستكشف حكم الشرع ، للملازمة بين حكم العقل و الشرع و استحالة التفكيك بينهما ، فمثلاً إذا استقلّ العقل بقبح العقاب بلا بيان فيفتي المجتهد في الموارد التي لم يرد فيها دليل شرعي على الحكم الشرعي ، بالبراءة أو الحلّية .
هذه هي مصادر التشريع عند الشيعة و ليس هناك مصدر آخر تعتمد عليه [2] .
و أمّا الرجوع إلى العرف ، فإنّما هو لتحديد المفاهيم و تبيين الأوضاع كالرجوع إلى قول اللغوي .
نعم ، رفضت الشيعة منذ زمن مُبكِّر القياس و الاستحسان و سدّ الذرائع و ما يماثلها من الأدلة الظنية التي لم يقم دليل عندهم على حجيتها [3] .
الاجتهاد سر خلود الدين ، عقيدة و شريعة :
إنّ ممّا لا يقبل الإنكار إنّ بقاء الدين في كلا حقليه العقائدي و التشريعي ، إنّما هو نتيجة الجهود المبذولة في سبيل صقل العقيدة ، و تنمية الشريعة ، فلو كان المسلمون يقتصرون على أخذ ما وصل إليهم عن طريق الوحي من دون تكرير و تقرير ، و من دون تدبر و إمعان ، و بحث و نقاش لزال الدين و اندرس و لم يبق منه خبر و لا أثر .
يقول الدكتور حامد حفني داود و هو يشير إلى أهمية الاجتهاد و دوره الهام في الفقه الشيعي الإمامي :
" أما علماء الشيعة الإمامية فإنهم يبيحون لأنفسهم الاجتهاد في جميع صورة التي حدثناك عنها – و يصرون عليه كل الإصرار و لا يقفلون بابه دون علمائهم في أي قرن من القرون حتى يومنا هذا ، و أكثر من ذلك نراهم يفترضون بل يشترطون وجود " المجتهد المعاصر " بين ظهرانيهم و يوجبون على الشيعة اتباعه رأساً دون من مات من المجتهدين ، ما دام هذا المجتهد المعاصر استمد مقومات اجتهاده - أصولها و فروعها - ممن سلفه من المجتهدين و ورثها عن الأئمة كابراً عن كابر ، و ليس هذا غاية ما يلفت نظري أو يستهوي فؤادي في قولهم بالاجتهاد ، و إنما الجميل و الجديد في هذه المسألة أن الاجتهاد على هذا النحو الذي نقرأه عنهم يساير سنن الحياة و تطورها و يجعل النصوص الشرعية حية متحركة ، نامية متطورة ، تتمشى مع نواميس الزمان و المكان ، فلا تجمد ذلك الجمود الممضد الذي يباعد بين الدين و الدنيا أو بين العقيدة و التطور العلمي ، و هو الأمر الذي نشاهده في أكثر المذاهب التي تخالفهم ، و لعل ما نلاحظه من كثرة عارمة في مؤلفات الإمامية و تضخم مطرد في مكتبة التشيع راجع - في نظرنا - إلى فتح باب الاجتهاد على مصراعية [4] .
الثروة الفقهية عند الشيعة :
تعد الثروة الفقهية الهائلة عند الشيعة من أعظم الثروات العلمية الإسلامية التي أنتجتها جهود كبار الفقهاء من عصر الأئمّة إلى يومنا هذا ، تلك الجهود التي بذلوها ليل نهار في سبيل تنمية الشريعة ، و إغناء الأُمّة عن كلّ ما سوى الكتاب والسنة ، فازدهر على أثر ذلك فقه الشيعة في مختلف المجالات و المستويات و الفروع التي تطورت عبر الزمن تطوراً عظيماً ، مع الأخذ بنظر الاعتبار عنصري الزمان و المكان [5] .
و تظهر أهمية هذه الثروة الفقهية إذا ما لاحظنا أن الأحاديث الفقهية عند أهل السنة لا تتجاوز عن 500 حديث يدعمها مراسيل و موقوفات .
قال السيد محمد رشيد رضا مؤلف تفسير المنار : " إن أحاديث أحكام الأصول خمسمائة حديث " [6] فعدها أربعة آلاف فيما أذكر ، و ما يذكره من أربعة آلاف إنما هي موقوفات و مراسيل لا يحتج بها