الإيمان بالرسل هو الركن الرابع من أركان الإيمان، فلا يصح إيمان العبد إلا به. والأدلة الشرعية متواترة على تأكيد ذلك، فقد أمر سبحانه بالإيمان بهم، وقرن ذلك بالإيمان به فقال: { فآمنوا بالله ورسله } (النساء: 171) وجاء الإيمان بهم في المرتبة الرابعة من التعريف النبوي للإيمان كما في حديث جبريل: ( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله .. ) رواه مسلم ، وقرن الله سبحانه الكفر بالرسل بالكفر به، فقال:{ ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا } (النساء:136)، ففي هذه الآيات دليل على أهمية الإيمان بالرسل، ومنزلته من دين الله عز وجل، وقبل بسط الكلام في ذلك، يجدر بنا ذكر تعريف كل من الرسول والنبي، وتوضيح الفرق بينهما .
معنى الرسول
الرسول فـي اللغة هو الذي يُتابع أخبار الذي بعثه، أَخذاً من قولهم: " جاءت الإِبل رَسَلاً " أَي: متتابعة، وسُمِّي الرَّسول رسولاً لأَنه ذو رسالة . و الرَّسول: اسم من أَرسلت وكذلك الرِّسالة .
معنى النبي :
النبي في اللغة: فعيل بمعنى فاعل ومفعل فهو مُنْبِِئ ومٌنْبَأ، مُنْبِِئ أي مخبر عن الله، ومٌنْبَأ أي مُخبَرٌ من الله، قال تعالى: { قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير }(التحريم:3)، وقال: { نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم }(الحجر:49)، فالنبي هو الذي يُخبَر من الله، وهو الذي يُخبِر الناس أي يبلغهم أمر الله ونهيه ووحيه، وقد يكون لفظ ( النبي ) غير مهموز، فيكون من النبو وهو الرفعة والمكانة .
والإيمان بالرسل يتضمن أمورا:
1- التصديق بنبوتهم وبما جاءوا به من عند الله عز وجل، قال تعالى: { والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون { (الحديد:19).
2- عدم التفريق بين أحد منهم كما قال تعالى: { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير } (البقرة:285) .
3- توقيرهم وتعظيمهم: قال تعالى: { لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا } (الفتح:9) قال ابن عباس رضي الله عنهما وغير واحد: " تعظموه وتوقروه من التوقير وهو الاحترام والإجلال والإعظام، وأجمع العلماء على أن من انتقص نبيا من الأنبياء فقد كفر ".
4- وجوب العمل بشرائعهم: وذلك في حق كل أمة لنبيها، ولا يخفى أن ذلك قبل بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم التي نسخت شريعته كل شريعة.
5- اعتقاد عصمتهم في تبليغهم الوحي، و عصمتهم من الكبائر والصغائر التي تدل على خسة الطبع وسفول الهمة.
الحكمة من إرسال الرسل:
تتلخص الحكمة في إرسال الله رسله إلى العباد في أمور:
الأول: إقامة الحجة على العباد، وتبشير المؤمنين بنعيم الله وجنته في الآخرة، وإنذار الكافرين من عذابه وعقابه، قال تعالى: { رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما }(النساء:165). وقال صلى الله عليه وسلم مبينا الحكمة من بعثة الرسل: ( ولا أحد أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك بعث الله المرسلين مبشرين ومنذرين ) رواه البخاري ومسلم .
الثاني: إقامة الدين وسياسة الدنيا به، فقد كان الأنبياء هم الساسة الذين يديرون شؤون البلاد والعباد، قال صلى الله عليه وسلم: ( كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي ) متفق عليه، وكذلك كان صلى الله عليه وسلم هو قائد الأمة وأميرها.
الثالث: توحيد الأمة دينيا وسياسيا، وذلك أن انقياد الأمة للرسل يجعلهم يدينون لهم بالطاعة ويتبعونهم فيما جاءوا به من الدين الحق، فتتحقق بذلك وحدتهم الدينية والسياسية.
الرابع: تحقيق القدوة والأسوة العملية، وهذه لها فوائد: الأولى: دحض حجة من قد يزعم أنه ليس في مقدوره تطبيق تلك الشرائع، فيقال له: إن الأنبياء وهم بشر أيضا، قد طبقوا تلك الشرائع ومارسوها عمليا، فكيف يصح القول بأن تطبيقها مما لا يستطاع !!
الفائدة الثانية: تحقيق الأسوة والقدوة للمؤمنين في كيفية تطبيق تلك الشرائع، وكيفية العمل بها، لأن كثيرا من الأمور النظرية تختلف الأفهام في تطبيقها، فيأتي الفعل النبوي فاصلاً ومبيناً.
الفائدة الثالثة: تحقيق الأسوة والقدوة للمؤمنين بحثهم على الإكثار والاستزادة من فعل الصالحات، اقتداء بالأنبياء عليهم السلام، الذين كانوا القدوة في ذلك بسلامة إيمانهم وكثرة أعمالهم الصالحة .