1- النثر
كان العربُ مضرب المثل في بلاغة القول وفصاحة اللسَان، وقد نظموا الشعر الرائع، وقالوا النثر المبدع، ولكنّ ما وصل إلينا من النثر قليل بالنسبة لما وصل إلينا من شعر الجاهليين، لأن الأمِيّة الشائعة في الجزيرة العربية في هذا العصر قد حالت دون كتابة الخطب والوصايا والأمثال أما الشعر فهو أسهل حفظاً، وأكثر أنصاراً، تخصص له رواة يحفظونه ويتناقلونه فكثر المروىّ منه كثرة وافرة.
وما وصل إلينا من النثر الجاهلي ينحصر في الخطب والوصايا والأمثال.
فالخطبة كانت ذات شأن هام لدى الجاهليين لأن دواعي الحروب والمصالحة والمصاهرة كانت تحتاج إلى خطباء يتكلمون فيعبرون عما في نفوسهم، لذلك حرصت كل قبيلة على أن يكون لها خطيبٌ يتكلم بلسانها كما يكون لها شاعر يذيع محاسنها ومواقفها المشهورة بين القبائل.
وأنت إذا نظرت إلى الخطبة الجاهلية كخطبة هانىء بن مسعود فإنك تجدها تميل إلى الإيجاز، وتنحو منحو الحكمة الفطرية، وتعتمد على إثارة المشاعر.
أمَا الألفاظ فواضحة معبّرة عن الغرض المقصود تعبيراً مباشراً صريحاً على أن تتخللها الأمثلة أو أبيات الشعر، ومعانيها في كثير مما وَرَدَ منْ نماذجها مقتضبة، مفككة، لا تتصل اتصالاً مترابطاً وإنما هي خطرات تسنح للخطيب فيعبر عنها كما تجيء.
وكان العرب يختارون الخطيب و يرون فيه أن يكون جهير الصوت سليم المنطق ثابت الموقف قوي الشخصية ومن خطبائهم الأفذاذ قس بن ساعدة وهاشم بن عبد مناف.
أما الأمثلة فتجري على ألسنة الناس جميعاً، ولا تختص بها طبقة دون طبقة، ولذلك ورد لنا من أمثلة الجاهلية ما امتلأت به كتب حافلة، ومن صفاتها الفنية إيجاز اللفظ، وجمال العبارة وتصوير البيئة تصويراً دقيقاً مع دقة التشبيه في أكثر ما نعهد من، الأمثال ووصايا الجاهليين ذائعة وهي وليدة خبرات وتجارب، ودائماً تصدر عن أب كبير، أر رئيس مجرب، أو أم عاقلة فتصادف موقعها من النفوس.
2- الشعر
الشعر ديوان الجاهليين، وسجلّ وقائعهم، وميدان تجاربهم، ولا تجد عصراً من عصور التاريخ أجادَ تصويرَ الأحداث، وسرد الوقائع، كما تجد ذلك في العصر الجاهلي، حيث اتجهت الفطرة العربية إلى تصوير الواقع دون تزييف أو مبالغة، وقد وجدوا من انفساح الصحراء ورحابة الأفق وحرية القول، وكثرة المعارك ما أطلق ألسنتهم بالقول، ولهم من فصاحة اللسان، واعتدال السليقة ما يمدهم بالروعة والإتقان.
وقد اتجهت أغراض الشعر إلى ما يناسب البيئة من وصف ومدح وفخر ورثاء وهجاء وحكمة وغزل واعتذار ووجد فيهم من الشعراء من اشتهر بغرض أجادَه وتفوق فيه كما تفوق زهير في الحكمة والنابغة في الاعتذار والمهلهل في الرثاء.
أما المعاني فغير عميقة لبعد الجاهليين عن الفلسفة، كما أن هذه المعاني لا تمتد متسلسلة بل تأتي موجزة مقتضبة، ولا يعمد الشاعر إلى ترتيبها بل ينتقل من معنى لآخر دون استيفاء بحيث يمكن القارئ أن يسقط بعض الأبيات دون أن يحس اختلالاً في الترابط.
والألفاظ لدى الكثيرين قويّة جزلة، وما نراه من الغموض في بعض الأبيات يرجع إلى خفاء اللفظ بالنسبة إلينا نحن، أما الأفكار فقريبة لا تحتاج إلى غوص، وقد نجد سهولة في بعض القصائد كما نشاهد في شعر المهلهل وجليلة والمنخل.
والتصوير ينبع من البيئة، ولبعض الشعراء خيال رائع كامرئ القيس وزهير والنابغة، وكان الأخيران يتئدان في النظم فحَفل شعرهما بالصور الجميلة