في جلسة تاريخية، قدم النائب السابق محمد جاسم الصقر استقالته أمس من رئاسة البرلمان العربي الانتقالي رافضا الدعوات التي قدمها نواب البرلمان بالعدول عن هذه الاستقالة، فيما تم اختيار الدكتورة هدى بن عامر أمين شؤون المرأة بأمانة مؤتمر الشعب العام في الجماهيرية الليبية، بالتزكية خلفا له.
واكد الصقر في بيان ألقاه في جلسة البرلمان أمس في مقر جامعة الدول العربية، وجاء بمنزلة كلمة وداعية، ان الكويت تعيش هذه الأيام أجواء انتخابات جديدة لمجلس الأمة، وبما أنني اخترت ألا أخوضها، فان مدة عضويتي في البرلمان العربي الانتقالي المؤقت، وبالتالي رئاستي له تعتبر منتهية مع اغلاق باب الترشيح لهذه الانتخابات يوم 26 الجاري، وذلك اعمالا للمادة العاشرة من النظام الداخلي للبرلمان».
وأضاف: مع أن البيان الذي أصدرته في الكويت يشرح بكل شفافية أسباب وظروف عزوفي عن الترشيح لمجلس الأمة الكويتي المقبل، فانني أجد من حقكم علي أن أعرض بايجاز نقاطا تلقي الضوء على موقفي، واني على ثقة مطلقة بأن الديموقراطية الكويتية ستخرج من مخاضها أكثر قوة، وألقا، وانتشارا لتبقى كما عهدتموها تجربة رائدة وملهمة على مستوى محيطها، وعلى صعيدها العربي، لأنها ديموقراطية نابعة من سجية الشعب ومن تجاوب الحكم، ومن رسوخ الشرعية الكويتية ومؤسساتها الدستورية».
موقف ناقد
وتابع: ان عزوفي عن الترشيح لانتخابات مجلس الامة شهر مايو المقبل يعبر عن موقف ناقد للمشهد السياسي الراهن، يؤمن بالديموقراطية، ويسعى الى تعزيزها وانتشارها ويتمسك بالمسؤولية التشريعية والرقابية للممارسة البرلمانية، ويعمل على تطويرها واصلاحها، مشيرا الى أن العمل النيابي يبقى على حيويته وأهميته وجها واحدا من الوجوه الاساسية للنشاط السياسي، ولقد وجدت بعد تقييم عميق أني سأكون أكثر قدرة على خدمة وطني وأمتي من خلال نشاطات أخرى من العمل السياسي الوطني والقومي الذي تعلمته، وتربيت عليه باعتباره التزاما كاملا بقضايا الوطن والأمة فكرا وعملا وعلى مدى الحياة».
وأضاف الصقر: أشعر بزهو يلامس الغرور، أو يكاد لما شرفتموني به من ثقة عندما آثرتموني على انفسكم، ولست بخيركم، لأكون أول رئيس للبرلمان العربي العتيد، ثم عندما جددتم انتخابي، قبل أشهر، رئيسا لفترة ثانية كاملة، ولئن حالت مستجدات غير متوقعة دون استمراري في تحمل هذه المسؤولية، فانني أشعر أني مدين لكم باعتذار عن ذلك، كما أثق بأن كلا منكم قادر على متابعة هذه المسؤولية بحماسة وجدارة واقتدار».
وتابع قائلا: «يصعب علي أن اتابع كلمتي، قبل أن أقر أيضا بما يطوق عنقي من قول وفعل وفضل للأمين العام لجامعة الدول العربية الأخ والصديق عمرو موسى، الذي كان تأييده لهذا البرلمان حجر أساس في صرحه، والذي كان رأيه ودعمه خير معين لي في مهمتي، مما يملي علي الحق والواجب أن اتوجه بالشكر والتقدير للأمين العام للبرلمان العربي عدنان عمران وللعاملين معه على كبير جهدهم وطول أناتهم».
وقال الصقر موجها كلامه لأعضاء البرلمان العربي «ممثلي الأمة»: عندما أخاطبكم بهذه الصفة لا أفعل ذلك مبالغة أو مجاملة بل أخاطبكم بما يعكس موقعكم ومهمتكم التزاما بقرار القمة العربية السابعة عشرة، الذي نص على أن انشاء البرلمان العربي جاء تجاوبا مع رغبة الشعوب العربية وادراكا لأهمية المشاركة الشعبية، واخاطبكم اعمالا للمادة السابعة من النظام الداخلي للبرلمان العربي التي تؤكد أن عضو هذا البرلمان يمثل الأمة العربية بأسرها».
المسؤولية القومية
وأعرب الصقر عن ثقته في «أن هذه الطبيعة القومية للبرلمان العربي هي منطلق انشائه ومبرر وجوده، وهي التي تحدد أنظمته وترسم مسؤوليته»، مشيرا الى أن المسؤولية القومية للبرلمان العربي تقوم على ان يكون وجدان الأمة وضميرها وأن يكون صوت عقلها ونفير وعيها وطليعة فكرها فيعمل على اذكاء روحها وتنبيه وعيها لدخول عصرها وصنع مستقبلها.
ولفت الى ان هذه المسؤولية تقتضي من كل أعضاء البرلمان العربي استعادة ثقة المواطن العربي بالعمل العربي المشترك ومؤسساته والتعامل معه كممثلين لارادته لا أوصياء على قراره، والعمل كمجموعة واحدة لتحقيق مصالح الأمة، لا كمتنافسين للفوز بأكبر قدر من المصالح القطرية.
وتابع: هذه المسؤولية القومية تقتضي العمل على تعميق مفهوم الديموقراطية وعدم اختزاله بصندوق انتخابي ومجلس نيابي بل ضمانة لكرامة المواطن وحقوقه وحريته، والمسؤولية القومية للبرلمان العربي، توجب السعي لتطوير آليات العمل العربي المشترك التي لاتزال أبطأ بكثير من وقع العصر، ولدعم مؤسسات هذا العمل التي لاتزال أضعف بكثير من تلبية الاحتياجات ومواجهة التحديات».
وأكد الصقر أن أهم محاور المسؤولية القومية للبرلمان العربي هو السعي للاصلاح بأبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية وبمضمونه الأخلاقي ومساءلته العادلة ومقاومته للفساد.
مناهضة الفساد
وقال «ان أهم أشكال مناهضة الفساد يتمثل بحماية الديموقراطية ذاتها من الفساد، فالنظام الديموقراطي الفاسد أشد خطرا من الأنظمة الفردية المتسلطة، وألد أعداء الديموقراطية هم الديموقراطيون الفاسدون الذين يتوسلون قوة المال ونعرة الطائفة ونزعة القبيلة، بشكل يهز شرعية المقعد البرلماني، ويحول دور البرلمانات من التشريع الى اضفاء الشرعية، ومن الرقابة على الحكومة الى ترقب الامساك بالحقيبة الوزارية ويفرغ الحريات من مضامينها وينزع من العدالة ميزاتها ويدعي احتكار الوطنية والحقيقة، وهو أخطر أشكال الاحتكار».
وخاطب أعضاء البرلمان العربي مودعا: «هذا ليس وداعا لأن تجربتي معكم أحلى وأغلى وأغنى من ان أدعها تنتهي، طالما أنني أنظر للعمل السياسي كالتزام وطني وقومي مستمر، وسأبقى أتابع بتفاؤل وفخر، دأبكم الشجاع لتعزيز دور البرلمان العربي ورسالته القومية ووعيكم العميق لأهمية الحفاظ على استقلالية قراره وشمولية منظوره، وسأبقى أتابع بكل اهتمام واحترام حواركم الحر الذي يعكس قراره وشمولية منظوره، وسأبقى اتابع بكل اهتمام واحترام حواركم الحر الذي يعكس وحدة الهدف دون أن يغفل تعدد الطرق، ويعبر عن هموم الأمة واهتماماتها دون أن يحبطه الألم أو يجنح به الوهم أو يتخلى عن الحكم».
ثم اختتم كلمته بالقول انه في ضوء ما تقدم أعلن استقالتي من البرلمان العربي اعتبارا من 26 ابريل 2009، وقد صوت البرلمان العربي الانتقالي على قبول الاستقالة..
النواب: خسرنا هدية الكويت
عقب انتهاء الصقر من كلمته التي قوبلت بعاصفة مدوية من التصفيق أشاد اعضاء البرلمان العربي الانتقالي بدور محمد جاسم الصقر ورئاسته للبرلمان ومسيرته في دعم مسيرة البرلمان العربي خلال فترة التأسيس والتزامه بالنظام الأساسي للبرلمان خلال السنوات الثلاث الماضية.
وأكدوا في كلمات غلبت عليها المشاعر الدافئة جعلت الصقر يذرف بعض الدموع، ان استقالته هي صرخة غضب على مسار العملية الديموقراطية الوليدة في الدول العربية، وقد انعكست قناعاته بالديموقراطية على مسيرة عمل البرلمان العربي الانتقالي».
وعدد النواب من مختلف الدول العربية جهود الصقر في ترسيخ عمل البرلمان العربي، مؤكدين أن استقالته لم تكن زهدا في العمل العربي المشترك بقدر ما تحمل رسائل سياسية.
وقال عضو البرلمان اللواء سعد الجمال رئيس لجنة الشؤون العربية في مجلس الشعب المصري: ان البرلمان العربي قام خلال فترة رئاسة الصقر بجهد كبير في القضايا العربية وقد أرسل الوفود الى كل دارفور والصومال، ووفدا الى السودان تضامنا مع الرئيس عمر البشير.
وأشار الى وفد البرلمان العربي الذي سافر الى دارفور ثم عاد ليحذر الأمة من أن المنظمات الأجنبية لها أدوار مشبوهة هناك، وقد تحقق هذا حين تم ضبط منظمة فرنسية تقوم بمحاولة تهريب أطفال بدعوى أنهم أيتام.
و اعتبر رئيس كتلة فتح في المجلس التشريعي الفلسطيني عزام الأحمد أن استقالة الصقر ليست انسحابا من العمل الوطني والعمل القومي الذي كان رائدا فيه، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
وأشاد عضو البرلمان العربي المستشار رجاء العربي عضو مجلس الشورى المصري (الغرفة الثانية للبرلمان) وأكبر الأعضاء سنا، بعدم لجوء الصقر الى استحداث مادة تعطيه الحق في البقاء لمدة أطول،كما أنه قدم استقالته فورا رغم أن النظام الأساسي ينص على استمراره الى حين اجراء انتخابات البرلمان الكويتي.
وقال النائب المغربي الطيب المصباحي ان الاستقالة فيها العديد من الرسائل، ووجه حديثه للصقر «لمسنا فيك الايمان، بقضايا الديموقراطية، وجمع شمل الامة».
وأوضح النائب عباس البياتي أن الصقر «هو هدية الكويت الى العرب وكنا نريد منك ان تسلم هذه المؤسسة بعد ان تستقر على وضعها الطبيعي وليس الانتقالي، لكنك ستبقى منارة المؤسسة البرلمانية.. وفي كل الاحوال ومع تقديرنا لموقفك فقد خسرناك».
انتخابات اللجان
جلسة أمس شهدت انتخاب رؤساء اللجان الأربعة والمقرر لكل لجنة،حيث فاز برئاسة لجنة الشؤون الخارجية والسياسية والأمن القومي محمد أبو هديد (الأردن) وعبد العزيز الحسن (سوريا) مقررا، ولجنة الشؤون الاقتصادية والمالية عبد العزيز آبل (البحرين) رئيسا وياسر جعفر ابراهيم (السودان) مقررا، ولجنة الشؤون التشريعية والقانونية الطيب المصباحي (المغرب) رئيسا، ورياض أمين اسماعيل (سوريا) مقررا، ولجنة الشؤون الاجتماعية سلوى المصيري (الأردن) رئيسا وفادية الديب (سوريا) مقررا.
سفير الكويت: إنه صاحب مبدأ
قال سفير الكويت في القاهرة الدكتور رشيد الحمد ان استقالة الصقر خسارة كبيرة لبرلماني بارز، وصرح الحمد لوكالة الانباء الكويتية، ان لعضو مجلس الأمة النائب محمد جاسم الصقر جهوده خلال فترة رئاسة البرلمان العربي الانتقالي، التي بذلها في النهوض بهذا الصرح العربي ومتابعة أعماله والسير في خط قومي وعربي. وأشاد بالاعمال التي قام بها البرلمان خلال فترة رئاسة الصقر، معتبراً تلك الأعمال والجهود تصب جميعها في لحمة وتكاتف الاخوة العرب من أجل صالح قضاياهم. وأكد السفير الحمد ان استقالة الصقر في هذا الوقت تدل على انه صاحب مبدأ مع ان لائحة البرلمان العربي، تعطيه الحق في ان تستمر رئاسته إلى حين اجراء الانتخابات المقررة في 16 مايو».